الطفل الموهوب نعمة من الله عز وجل ، وهو الذي يتميز في مجال واحد على الأقل ، ويتميز أداؤه فيه بالقدرة العالية ، وقد تساعد البيئة المحيطة بالطفل في اكتشاف مواهبه وتنميتها منذ الصغر مما يسهم في تنميتها وارتقائها وإخراج إنسان متميز في هذا المجال أو ذاك ، وقد يكون الأمر معاكساً فتؤدي البيئة المحيطة بالطفل إلى إحباط موهبته وطمثها أو على الأقل إهمالها ، مما يؤدي لوأدها منذ الصغر .
وفي هذا المقال نعرض لمفهوم الموهبة وكيفية اكتشافها في الطفل منذ صغره للبدء في الاهتمام بها ورعايتها..
أولاً ما معنى الموهبة:
قد يخلط البعض بين عدة مفاهيم متشابهة فيختلط مفهوم الموهبة بالذكاء وبالتفوق الدراسي والتحصيل العلمي في حين أن كلاً منهم له مفهوم خاص..
فالموهبة في أحد تعريفاتها هي امتلاك قدرة استثنائية أو استعدادٍ غير عادي في مجال أو أكثر من المجالات العقلية والإبداعية والاجتماعية والانفعالية والنفسية.
وهذا يعني أن الطفل الموهوب يظهر قدرات متميزة في أحد هذه المجالات أو أكثر من خلال حركاته وممارساته مما يمكن ملاحظته بمتابعة سلوك الطفل.
أما الذكاء: فهو القدرة العالية للقيام بالعمليات العقلية المختلفة من تفكير وتذكر وإدراك وتحليل وغيرها ، وهو ما يمكن قياسه وتحديد معدله بمقاييس الذكاء المعملية ، وتؤكد نظريات الذكاء الحديثة وأشهرها نظرية الذكاء المتعددة “لهاورد جاردنر”، أن الذكاء ليس أحاديًّا، بل هناك ذكاءات متعددة لدى كل فرد تتفاوت في مستواها بين شخصٍ وآخر ؛ فهناك الذكاء اللغوي والذكاء الموسيقي والذكاء المنطقي الرياضي ، والذكاء المكاني ، والذكاء الجسمي الحركي ، والذكاء الشخصي ، والذكاء الاجتماعي.
وبالتالي فإن ذكاء الطفل في مستوى من هذه المستويات قد يؤدي لإظهار موهبته في هذا المجال.
أما التفوق الدراسي فهو التميز في التحصيل العلمي ، ويعرف الطالب المتفوق دراسياً بأنه الطالب الذي يرتفع إنجازه أو تحصيله بمقدار ملحوظ فوق الأكثرية أو المتوسطين من أقرانه.
والتفوق الدراسي ليس شرطاً أساسياً لوجود الموهبة ، لأن مجالات الموهبة أوسع وأكبر من مجرد التحصيل العلمي في مجال الدراسة ، فالموهبة قد تكون في المجال الذهني أو الحركي أو اللغوي أو الاجتماعي أما التحصيل العلمي فيكون في مجال واحد أو اثنين على الأكثر ، وهناك العديد من الأسماء البارزة ممن لم ينالوا حظاً من التعليم النظامي المتعارف عليه حالياً ، ومع ذلك تميزا في مجال من المجالات الإبداعية كالتأليف أو الرسم أو الخطابة أو الرياضة وهكذا..
نخلص مما سبق أن الموهبة لها مجالات واسعة ولا يشترط فيها التفوق الدراسي أو المهارة في التحصيل العلمي ، وهذا يدعونا للسؤال كيف اكتشف موهبة ابني ، وكيف يمكن ملاحظتها؟
ثانياً – كيفية اكتشاف موهبة الأبناء:
يتصور البعض أن الطفل الموهوب يفصح عن نفسه ، فهو هذا الطفل الهادئ المنشغل بأدوات الرسم والتلوين ، أو ذلك الذي يتناول لعبته بالفك والتركيب معظم الوقت ، وكل ما على الوالدين هو ملاحظته أو انتظاره ليظهر موهبته..غير أن الاكتفاء بهذا الدور لا يساعد في كثيرٍ من الأحيان على اكتشاف الموهبة ، ولكن هناك عدة أمور يمكن للوالدين القيام بها منذ ميلاد الطفل لتنمية ذكائه وإبراز مواهبه:
توفير البيئة الذكية:
شخصية الطفل ونموه العقلي تتوقف على عاملين أساسين عامل وراثي وعامل بيئي ، وهنا يبرز دور البيئة في تشكيل شخصية الطفل وتحفيز قدراته الذهنية ، وكلما كانت البيئة ثرية وحافلة بالمؤثرات المختلفة كلما ساهم ذلك في ارتفاع معدل ذكاء الطفل وظهور مواهبه في وقت مبكر ؛ فيجب أن تكون غرفة الطفل منذ ميلاده حافلة بالألوان والأشكال التي تلفت انتباهه وتثير اهتمامه.
ويمكن بعد ذلك إثراء بيئة الطفل الاجتماعية من خلال التزاور مع الأهل والأصدقاء والزملاء واختيار جماعة من الأقران للعب مع الطفل ، وكذلك البيئة المعرفية بمشاهدته للكتب والمجلات التي تناسب سنه وزيارة الحدائق العامة وحديقة الحيوان والمتاحف والمكتبات ، وهناك الألعاب وهي من أهم الوسائل لتحفيز القدرات الذهنية وتنميتها لدى الأطفال والتي يجب تغييرها وتطويرها مع التطور العمري للطفل.
وإجمالاً علينا بإثراء بيئة الطفل بكثير من الأنشطة والاهتمامات التي تتيح التعرف على مواطن القوة والضعف في أداء الطفل، وكذلك تتيح التعرف على اهتماماته لأنها البوصلة الأولى التي توجه رعايتنا له،
مراقبة الطفل:
فبعد أن يوفر الوالدان البيئة الثرية للطفل يمكن ملاحظة تصرفاته وأفعاله وردود أفعاله تجاه المثيرات المختلفة ، وتتضمن المراقبة هنا الاهتمام بكل ما يقوله لطفل ويفعله ، هل هو طفل ثرثار يحب إلقاء الأسئلة ، هل قدراته الحركية عالية ولا يستطيع الجلوس بهدوء في مكان واحد ، هي يستطيع صنع أشكال مختلفة بالمكعبات وقطع الميكانو ويبتكر فيها ، هل يحب متابعة المغامرات ويسرح بخياله في سردها وتأليفها ، هل تثيره الحيوانات ويهتم بها ويقلد أصواتها وحركاتها ، هل يمسك بالقلم ويرسم الخطوط العريضة على الورق والحوائط وما شابه ، هل يحاول أن يقود مجموعته من الأطفال عند اللعب ويمارس دور القائد أو الحاكم ، هذه الملاحظات وغيرها لها دورها في اكتشاف موهبة الطفل وتمييزها للبدء في الاهتمام بها.
توفير المناخ الآمن:
فمن المهم أن تكون بيئة الطفل آمنة حتى لا يتعرض لمشكلة عند ممارسته لأنشطته ما فتحدث لديه صدمة ، كما يجب عدم المبالغة في ردود الأفعال إذا ما أحدث الطفل تلفٍ ما في بعض حاجيات المنزل نتيجة ممارسته لبعض الأنشطة كالكتابة على الحائط أو استخدام الألوان على الملابس أو الستائر وما شابه ، فصراخ الأم أو نهر الطفل ومعاقبته قد يجعله يحجم عن ممارسة أنشطته ، خاصة أن التفكير دائماً عدو التوتر ، لذا يجب أن تحاول الأم بهدوء توجيه طفلها للمكان المناسب لاستخدام القلم أو الفرشاة والألوان مع التنويع في الأدوات التي تجذب الطفل للاستخدام الصحيح والأمثل.
الحوار مع الطفل:
من المهم أن يكون الحوار قائماً بين الطفل ووالديه ؛ فمن جهة فإن هذا يسهم في إثراء قدراته اللغوية ومهاراته الذهنية ومعلوماته ، ومن جهة ثانية فإنه يكشف عن اهتمامات الطفل وموهبته في مجال محدد ، فمن خلال هذا الحوار يستطيع كل من الأب والأم التعرف على ما يجذب اهتمامات الطفل ويثير اهتمامه ، ويمكن من هنا البدء في تشجيعه على الاهتمام بهذا المجال أو ذاك حتى يكون هذا بداية لتنمية موهبة الطفل في وقت مبكر..
مشاركة الطفل أنشطته:
لابد من إيجاد وقتٍ لمشاركة الطفل بعض أنشطته وألعابه فمن خلال هذه المشاركة يمكنك اكتشاف مهارات الطفل المخفية كفك الصور وتركيبها أو تكوين أشكال محددة بالمكعبات أو الرسم أو القفز و المهارات الحركية وغيرها..
التواصل مع المعلمين:
فإذا كان الطفل قد وصل إلى مرحلة رياض الأطفال أو دخل المدرسة فلابد من التواصل مع معلميه للاطمئنان على سلوكياته ومدى تفاعله مع زملائه ومعلميه ، وبما أن بيئة الروضة أو المدرسة أكثر اتساعاً من بيئة المنزل فيمكن اكتشاف موهبة الطفل من خلالها والتعرف على مهاراته التي لم تنجح بيئة المنزل في الكشف عنها..
وبعد فإن مرحلة اكتشاف الموهبة تدعونا للتساؤل عن كيفية تنمية الموهبة ورعايتها ، وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في المقال القادم إن شاء الله تعالى.
المصدر :موقع فريق النجاح .