في عام 1806م صمم المخترع السويسري فرانسوا أيزاك دو ريفا أول محرك احتراق داخلي، وقام باستخدامه في تطوير أول سيارة تعمل بمحرك مماثل باستخدام مزيج من الهيدروجين و الأكسيجين لتوليد الطاقة، إلا أن هذا التصميم لم يكتب له النجاح وهو ما حدث مع المخترع البريطاني صامويل براون و المخترع الأمريكي صامويل موري حيث أنتجا سيارات تسير بمحركات احتراق داخلي رديئة قرابة العام 1826م.
وبعد 24 عاما من هذا التاريخ، وبالتحديد في عام 1860م أنتج “إتيان لنوار” أول محرك احتراق داخلي ثابت وناجح وبعد سنوات قليلة, كان هناك حوالي أربعمائة منه تعمل في باريس، وفي عام 1863م, ركّب لنوار محركه في مركبة كانت تعمل بزجاجات جاز إضاءة المدينة, و قال لنوار إنها “كانت تسير أبطأ من الإنسان, و كانت تتعطل باستمرار”.
وفي عام 1885م اخترع الألماني كارل بنز سيارة تعمل بمحرك جازولين أوتّو في ألمانيا وسجل بنز براءة اختراع هذه السيارة في 29 يناير عام 1886م ورغم أن الفضل يرجع لبنز في اختراع السيارة الحديثة إلا أن عدة مهندسين ألمان آخرين كانوا يعملون على بناء سيارات في نفس ذلك الوقت، ففي شتوتجارت عام 1886م, سجل “جوتليب دايملر” و “ويلهلم مايباخ” براءة اختراع أول دراجة بخارية وفي عام 1870م جمّع المخترع الألماني النمساوي سيجفريد ماركوس عربة يد بمحرك إلا أن هذه المركبة لم تتعد المرحلة التجريبية.
سيارة بثلاث عجلات
في الأول من أكتوبر عام 1883م، أسس كارل بنز شركته الخاصة لصنع المحركات التي تعمل بالغاز، وبعد شهرين كان غوتليب دايملر يحصل على براءة اختراع لمحرك يعمل بالغاز، مع أنبوب قابل للاشتعال، وكان هذان الاختراعان، الشرارة الأولى التي أطلقت صناعة السيارات في العالم، فقد ابتكر دايملر عربته عام 1885م، وزودها بمحرك يعمل بالغاز.
وفي مطلع عام 1886م، كان كارل بنز يضع الأساس الأول لصناعة السيارات في العالم، بابتكاره سيارة ذات ثلاث عجلات، لتكون السيارة الأولى في التاريخ التي تجوب الشوارع، وتعمل بمحرك يعمل على الوقود، وفي مارس من العام ذاته، كانت تصاميم السيارة الأولى ذات العجلات الأربع، والتي تحمل محركاً سريعاً يعمل بالوقود جاهزة للتنفيذ.
وبدأ كل من كارل بنز، وغوتليب دايملر، يعمل على تطوير ابتكاره، وإدخال تحسينات عليه، فعرض دايملر في عام 1889م، محركاً جديداً بأسطوانتين، وبعد عام من هذا التاريخ، كان دايملر يعلن رسمياً عن شركته “مصنع دايملر للسيارات” في شتوتجارت بألمانيا لتبدأ المنافسة بينهما وتتوالى الابتكارات.
قصة “المرسيدس”
في عام 1892م، تعاون كل من دايملر وفيلهيلم مايباخ، على تطوير محرك “فينيكس 1″، والذي استخدم لاحقاً على نطاق واسع في السيارات والسفن والمناطيد، أما كارل بنز فقد صنع في عام 1895م، أول حافلة في التاريخ، لكن دايملر رد عليه في العام التالي بابتكار الشاحنة الأولى في العالم، والتي زودها بمحرك يتألف من أسطوانتين، وبقوة تبلغ أربعة أحصنة، وتم طرحها للبيع في شركة “دايملر” البريطانية، والتي كان قد أسسها فريدريك سيمز في عام 1893م.
أما قصة اسم “مرسيدس” ، فبدأت مع إيميل جيلينك، التاجر والدبلوماسي النمساوي، الذي كان قنصلاً لبلاده في فرنسا، والذي كان مولعاً بالسيارات منذ ابتكارها، فقد قاد هذا الرجل السيارة ذات الثلاث عجلات التي ابتكرها بنز، وقاد أيضاً السيارة التي ابتكرها دايملر، فأعجب بها، وقدم المساعدة لمبتكرها، وشارك بسيارة دايملر، “فينيكس” التي تبلغ قوتها 23 حصاناً، في العام 1899م، برالي فرنسا، وحقق المركز الأول في السباق، ليزداد عشقه وولعه بالسيارات، التي يبتكرها دايملر خاصة، فعرض عليه في عام 1900م، طلباً لا يمكن لأحد في ذلك الوقت أن يرفضه، وهو طلبية شراء 36 سيارة، تبلغ قيمتها 550 ألف مارك ذهبي، على أن يتم تغيير اسم سيارات دايملر إلى مرسيدس، مع حقوق التوزيع للسيارة في كل من النمسا، المجر، فرنسا، بلجيكا، والولايات المتحدة ، هذا الاسم الذي يعود إلى ابنته الصغرى، التي كانت الأحب إلى قلبه، ليغدو اسمها مع الزمن أشهر اسم على مر العصور في صناعة السيارات العالمية.
وفي هذا العام كانت شركة بينز تتصدر المبيعات العالمية، ببيعها 603 سيارات، صدرت منها 341 سيارة، وفي نفس العام توفي دايملر، وتم انتخاب جيلينك رئيساً لمجلس الإدارة، الذي بقي فيه لتسعة أعوام، ساهم خلالها بتطوير سيارات دايملر ومرسيدس بشكل كبير، وقام في عام 1902م بتسجيل اسم “مرسيدس” كعلامة تجارية، ليتم بعدها تسجيل إنتاج دايملر بهذا الاسم، وفي هذا العام أنتجت شركة “دايملر” السيارة الأكثر تطوراً في ذلك الوقت، وهي “مرسيدس سيمبليكس”.
العصر الذهبي
اشتدت المنافسة بين بينز ومرسيدس، ففي عام 1906م، خاضت الشركتان سباق “جائزة فرنسا الكبرى”، وسيطرتا على السباق، إذ احتلت مرسيدس المركزين الأول والثالث، بينما جاءت بنز في المركز الثاني، وتمكنت مرسيدس من السيطرة على أجواء السباقات العالمية، بحلولها في المركز الأول دائماً، ولفترة طويلة.
تأثرت الشركتان أثناء الحرب العالمية الأولى، وتحولتا إلى صناعة المواد والمحركات الحربية، حتى أن شركة بنز، احتلت مركز الريادة في صنع محركات الطائرات، لكنهما وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، عادتا من جديد إلى المنافسة والابتكار، ومع دخول عام 1924م، شعرت كل من بينز ودايملر أنه لابد من الالتقاء، فبدأت المفاوضات بينهما على الشراكة، ومع حلول العام 1926م، كان قرار الاندماج الرسمي قد دخل مرحلة التنفيذ، حيث اندمجت الشركتان في مجموعة دايملر بنز، التي بدأت إنتاج سيارات “مرسيدس بنز”.
وبعد ثلاث سنوات “عام 1929م” توفي كارل بينز، وفي العام نفسه توفي أيضاً فيلهيلم مايباخ، الذي أسس شركة تحمل اسمه، لكنها عانت من مشاكل أغلقت على إثرها، إلا أن مرسيدس أحيتها من جديد، من خلال سيارتها “مايباخ” لتكون من أفخم السيارات التي تنتجها، ولتنافس بها شركة “رولز رويس” العالمية.
أدى الاندماج إلى تحسن كبير في أداء الشركة الجديدة، فكان باكورة إنتاجها شاحنة مرسيدس بينز التي تعمل بالديزل، وارتفع إنتاج سيارات مرسيدس بينز إلى 7918 سيارة في العام 1927م، وبدأت فترة العصر الذهبي للشركة من خلال ابتكار العديد من طرازات مرسيدس، إلا أن اندلاع الحرب العالمية الثانية، أوقف تطورها وتقدمها، حيث انتقلت الشركة إلى مرحلة جديدة في إنتاج الصناعات الحربية، ولحق دمار هائل بالعديد من مرافقها ومصانعها.
وبعد انتهاء الحرب، أعادت الشركة بناء نفسها، واستأنفت عملها في البحث عن الجديد والمتطور في عالم السيارات، فأنتجت في العام 1948م أول شاحنة متعددة الاستخدامات من طراز “يونيموغ”، بالإضافة إلى العديد من طرازات مرسيدس الصالون، والتي لا يزال العديد منها يتم إنتاجه حتى الآن، مع الاختلاف الكبير في الشكل والأداء الذي طرأ عليه، بما يتناسب مع كل فترة زمنية.
السيارة رقم “مليون”
في عام 1962م كانت سيارة مرسيدس بينز إس إي 220 تحمل الرقم مليون تغادر خطوط إنتاج دايملر بنز منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وشهد عام 1966م، اندماج شركتي مايباخ، ومرسيدس بنز في شركة واحدة حملت اسم “مايباخ مرسيدس بينز”، وتملكت دايملر بنز حصة بلغت 83 % من أسهم الشركة الجديدة.
أما الاندماج الأكبر الذي شهدته الشركة فكان في عام 1998م، حيث تم الإعلان عن اندماج كل من دايملر بينز وكرايسلر، هذا الاندماج الذي شهد ولادة مجموعة “دايملر كرايسلر”، وبأغلبية أسهم تعود لصالح دايملر، لتكون المجموعة الجديدة أكبر صانع سيارات في العالم، حيث ينطوي تحت لوائها العديد من أفخر السيارات في العالم: مرسيدس بينز، مايباخ، سمارت، كرايسلر، جيب، ودودج.
واشتهرت منتجات الشركة بإدخال التكنولوجيا المتقدمة عليها، وخاصة أنظمة “الحقن الإلكتروني”، والمكابح غير القابلة للانغلاق، والعديد من الإمكانيات الفنية الأخرى، وقد تبنت الشركة منذ عام 1939م، عدة أبحاث تتعلق بالسلامة، وأنشأت إدارة خاصة بذلك، لتتحول هذه الإدارة مع الزمن إلى منصة لسلسلة من التصاميم الدقيقة الخاصة بأنظمة السلامة، للمركبات التجارية، ومركبات الركاب، على حد سواء.
وحصلت الشركة من خلال “إدارة السلامة” راءات الاختراع، فهي أول من أوجد قفل الأمان المخروطي المسماري الخاص بالأبواب، الذي طورته لاحقاً لتبتكر القفل الوتدي المسماري، وفي عام 1952م أحدثت الشراكة عملية تصنيع الهياكل، حيث تم اختراع المناطق القابلة للتشوه في المنطقتين الأمامية والخلفية من السيارة، ويعود إليها الفضل في إيجاد مساند الرأس في السيارات، وكذلك هي من ابتكر حزام الأمان، والوسائد الهوائية، وغيرها الكثير.
وفي عام 1978م، ابتكرت الجيل الثاني من “نظام المكابح المانعة للانغلاق” الذي تستخدمه الآن العديد من شركات السيارات في العالم، إلا أن التوسع الكبير في إدخال الأنظمة الإلكترونية أدى إلي بعض السلبيات، فبعد تركيب نظام مكابح فعال في أكثر من 60 ألف سيارة، قامت الشركة باستعادتها مرة أخرى، من أجل تصحيح بعض المشكلات الفنية فيها، وقامت في عام 2001م، باستعادة نحو 150 ألف سيارة، تم إنتاجها بين العامين 1995م و1996م، كانت قد باعتها في أوروبا والشرق الأوسط، لإصلاح خلل قد يؤدي إلى انتفاخ أكياس الأمان فيها بشكل مفاجئ، ودون التعرض لحادث.
ولم تعرف الشركة الخسارة منذ تأسيسها، بل اقترن اسم مرسيدس بالأثرياء والمشاهير، لكنها منذ سنتين بدأت تفقد الأرباح التي كانت معتادة عليها، خاصة مع إصرارها على الاستمرار في إنتاج سيارة “سمارت”، فقد أعلنت “دايملر كرايسلر” في أبريل من عام 2005م، عن انخفاض أرباح تشغيل الربع الأول من ذلك العام بنسبة 60 %، وذلك بعد تسجيل شركة مرسيدس خسائر بلغت حوالي مليار يورو، نتيجة إعادة هيكلة قطاع السيارة الصغيرة سمارت، التي بدأت بإنتاجها في عام 1998م، وقد بلغت قيمة خسائر مرسيدس منها منذ ذلك الوقت نحو 3.5 مليار يورو.