الكبار ذوي الموهبة العالية
الكاتب:
د. حسنين الكامل
تعد الموهبة طاقة فطرية كامنة غير عادية في مجال أو أكثر من مجالات النشاط الإنساني؛ كما أن هذه الموهبة موجودة لدى الجميع، سواءً كانوا من الأطفال أم الشباب أم الكبار من كل المجموعات الثقافية وعبر مختلف الطبقات الاجتماعية والاقتصادية وفي كل مجالات السعي الإنساني؛ والموهوبون هم الأطفال أو الشباب والكبار ذوو الموهبة الفذة، والذين يظهرون القدرة على الأداء بمستويات عالية بشكل ملحوظ عندما تتم مقارنتهم بآخرين في نفس أعمارهم أو خبراتهم أو بيئاتهم، كما أن لهؤلاء الأطفال والشباب والكبار قدرات أدائية عالية في المجالات العقلية والإبداعية والفنية، ولديهم قدرة غير عادية على القيادة، كما أنهم قد يتفوقون في مجالات أكاديمية معينة.
ولعل قائمة الأسئلة المدرجة فيما بعد، وبعض خصائص الموهوبين الكبار المذكورة في نهاية المقالة تشير إلى بعض سمات الموهوبين من الأفراد الكبار، ويمكن -بالتأكيد- إضافة الكثير من الصفات الأخرى إليها؛ فإذا وجدت -عزيزي القارئ- أن بعض هذه الخصائص تنطبق عليك فقد يكون ذلك دليلاً واضحاً لتمتعك بموهبة تفوق المتوسط، وربما تكون هذه الموهبة غير عادية. وأنه ليس من الضروري مطلقاً أن تنطبق عليك كل الخصائص المذكورة، وذلك نظراً لوجود سمات شخصية أكثر وضوحاً لدى بعض الكبار الموهوبين، بينما لا يوجد مثيل لها عند أفراد آخرين؛ فمن المعروف علمياً أن العامل الوراثي له دور رئيسي في تكوين الذكاء لدى الفرد؛ فإذا كان في عائلتك أحد الأشخاص من ذوي الموهبة العالية، فإن احتمالية كونك موهوباً تزداد، وكما هو الحال في الأجيال السابقة هناك العديد من الأشخاص الموهوبين الذين نشأوا في بيئات ذات ظروف صعبة، ولم يكن من الممكن اكتشاف مواهبهم، كما أن الموهبة لا تظهر عادة في كل الأجيال؛ بل قد تظهر الموهبة في أحد الأجيال ولا تظهر في جيل آخر.
وللتعرف على موهبتك بوضوح يجب أن تكون هناك إجراءات تشخيصية، تتضمن أدوات ومقابلات وتحليلات للبيانات لاكتشاف هذه المواهب.
وإليك العديد من التساؤلات التي يمكن أن تشير إلى موهبة كامنة لدى الكبار؛ قد تنبثق وتظهر في أحد صور النشاط الإنساني إذا ما توافرت لها الشروط الموضوعة اللازمة لانبثاقها؛ بالإضافة إلى العديد من السمات التي يمكن أن تكون كاشفة لهذه الموهبة.
– هل ينتابك منذ فترة شعور برغبتك في إحراز تغيير في مهنتك أو حياتك الخاصة ولكنك لم تتمكن من إحراز هذا التغيير؟
– هل لديك أهداف وأمنيات متعددة، ولكنك لا تستطيع أن تقرر ما النتائج التى يمكن أن تكون راضياً عنها جراء تحقيق هذه الأهداف؟
– هل تريد أن تتعرف على مهاراتك وصفاتك الشخصية وأن توظفها؟
– هل أنت موهوب أو لديك حساسية عالية وترغب في إيجاد وسيلة للنجاح وحياة رغدة سعيدة؟
– هل أنت موهوب ولكنك لا تعلم ما يمكن أن تفعله بنتائج التشخيص وردود الأفعال المحتملة في بيئتك الخاصة ؟
– هل تريد أن تعرف ما هي معتقدات الطفولة التي تحول دون استفادتك من قدراتك وتحقيق أهدافك وأحلامك وكيف يمكنك التخلص من هذه المعتقدات؟
– هل أنت حساس للغاية وتتمنى الحصول على مساعدة للتعاون والتفاعل مع أناس آخرين لتحقيق أهدافك وأمانيك؟
– هل لديك شعور قليل نسبي باحتراق نفسي وترغب في مواجهة هذا الشعور بغرض تحقيق ذاتك؟
ويوجد العديد من الموهوبين الذين كان لهم دور بارز في تشكيل حياتنا وعالمنا المعاصر، وحينما نبحث في السيرالذاتية عن معلومات لمراحل الطفولة والمدرسة لهؤلاء الموهوبين نجد أنه لا توجد قائمة يمكن أن تجمع كل الأفراد المشهورين أو البارزين وذلك لعدم الاتفاق على محكات معينة لاختيارهم؛ لكن أحد المحكات الرئيسة التي يمكن أن تستخدم للحصول على مثل هذه القائمة هو مستوى الشهرة وشغف واهتمام الجماهير بهم، والمحك الآخر هو أحكام الخبراء لقيمة الإنجاز الفردي الذى حققه هذا الفرد؛ ولقد تم اختيار هذه المحكات بالنسبة لعينة من الأفراد البارزين الذين عاشوا في القرن العشرين، وتمت دراسة السير الذاتية لعدد كبير منهم من مكتبات عامة في كندا وأمريكا ومن شبكة الإنترنت ومن بعض المجلات العالمية مثل (Time& Life). وبدراسة السير الذاتية لهؤلاء الأفراد لوحظ أنه لم يتمتع أحد منهم بطفولة سعيدة، و كان لمعظمهم خبرات سيئة مع مدارسهم وصلت الى درجة كره المدرسة.
كما كان للعديد من الكبار الموهوبين شعورعارم بعدم الرضا عن أوضاعهم المهنية أو حياتهم الخاصة، ولم يدر في خلدهم يوماً أنهم قد يكونوا من ذوي المواهب الخارقة، ولم يتمكنوا من التفكير في ذلك؛ نظراً لأنهم كانوا يتبنون الرأي القائل إذا كانت لدينا مواهب غير عادية فلماذا لم نحقق نجاحاً في وظائفنا على الأقل؛ وعلى الجانب الآخر فإن بعض الأفراد الآخرين قرروا إخضاع أنفسهم لمقاييس الموهبة فقط لأن أحد أبنائهم قد تم اكتشاف موهبته.
ومن هؤلاء المشهورين البارزين “توم موناغان Tom Monaghan” صاحب بيتزا كنج (Pizza King) والذي توفي والده حينما كان عمره 4 سنوات، وفشلت أمه في تربيته وتركته في دار ديني للبنين، و وتركته بعد ذلك في دار إيواء، وكان يطلق على مدرسته اسم “سجن” وعلى رفقاء الفصل “نزلاء السجن” حتى كاد أن يكون أحد الرهبان.
وهناك آخرون كانت لديهم رغبة جامحة في تغيير مستقبلهم المهني أو أن يصبحوا مستقلين في مزاولة مهنهم، وبالتالي كان عليهم قياس قدراتهم المهنية ومواهبهم الخاصة، وظهرت أحيانا الرغبة في فحص سيكولوجي لمواهبهم العقلية؛ فقد كان” راي كروك Ray Kroc” صاحب المطعم الشهير (McDonald’s) يكره المدرسة وخصوصاً مادة الجبر وترك المدرسة بناءً على رغبة والديه وأصبح بائعاً لـلمشروبات وأظهر مقدرة عالية على الالتزام بالعمل.
ويعاني بعض الكبار أحيانا من اضطرابات نفسية أو نفسية جسدية مثل الاكتئاب، وتكون توصية الأطباء النفسيين النظر إلى تلك الأعراض من منظور “الموهبة” حيث إن عدم اكتشاف مواهبهم أدى إلى حدوث أعراض عدم الرضا عن مهنهم وحياتهم الخاصة.
فالمخرج السينمائي “وودي ألين Woody Allen” حصل على تقدير ضعيف في مقرر صناعة السينما، وكان يهرب من المدرسة دائماً للذهاب إلى السينما، وطلب مدير مدرسته من أمه أن تذهب به إلى طبيب نفسي.
أما الملياردير “بيل جيتس “Bill Gatesفلم يكن صبوراً مع الآخرين الذين ليسوا في سرعته في التفكير، وخصوصاً معلميه، وكان أداؤه جيداً حينما التحق بمدرسة خاصة بالصفوة وانشغل بتجارة بسيطة حينما كان في المدرسة الثانوية وترك الجامعة وانشغل بتجارة برامج الكمبيوتر وحذره والده من مغبة ترك الكلية، وأخبره بأن النجاح لن يكون حليفه أبداً إذا فعل ذلك.
وعندما كان المخترع العظيم توماس “أديسون Thomas” صبياً اتهمه معلموه بالغباء الشديد وعدم القدرة علي التعلم، وتم طرده من عدة وظائف، وعالم الكيمياء الشهير “لويس باستور Louis Pasteur” تم تصنيفه بدرجة متواضعة في الكيمياء من قبل الكلية الملكية.
وعلى الرغم من ذلك فإن كثيرا من الكبار الموهوبين وجدوا أخيراً ما كانوا يبحثون عنه في عملهم وحياتهم الخاصة، ولقد أمكنهم الآن تبادل الأفكار والخبرات مع نظرائهم الموهوبين، ولقد عثروا أخيرا على ضالتهم من أناس وبيئة تتوافق مع صفاتهم الشخصية.
“ستيف جوبز Steve Jobs” الذي يعد أحد أنجح رجال الأعمال في العالم لم يدخل الجامعة، لقد دخل “جوبز” لفصل دراسي واحد لكنه رسب فيه فترك الجامعة؛ قائلاً: “بعد ستة أشهر لم أجد لها قيمة، لم يكن لدي تصور عن الهدف الذي أريد تحقيقه في حياتي، ولا عن فائدة الجامعة في تحقيق هذا الهدف، كما أنني أنفق كل ما ادخره والداي طوال حياتهما، ولذلك قررت التوقف لقد كان الأمر مخيفاً وقتها، لكنني أرى الآن أنه أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي!”.
وغالبا ما يتم تشخيص خاطئ للكبار والبالغين والأطفال الموهوبين مع أعراض اضطراب نقص الانتباه أو التوحد ومتلازمة أسبرجر ولا سيما أن بعض الأعراض يمكن أن تكون متماثلة تماما، وبعض الكبار يتعاطون علاجا بالأدوية لسنوات عديدة قبل أن يتم تشخيص موهبتهم.
وهكذا يتضح بجلاء أن تشخيص الموهبة لدى الكبار عملية غاية في الأهمية، وذات تأثير بالغ في حياتهم؛ فلقد وجدوا أنفسهم أخيراً بعد عناء وبحث شاق وأصبح لديهم تفسير واضح لعدم قدرتهم في الماضي على التعامل مع الناس ومع مواقف الحياة اليومية. وغالباً ما ينضم هؤلاء الكبار إلى قافلة البحث التشخيصي وما يرتبط بها من إرشادات ومواعيد للمتابعة ومقابلات واتصالات وتساؤلات ترتبط بتوجهات جديدة مهنية وشخصية، حيث تتضمن خطوات تشخيص الموهبة لدى الكبار تطبيق مقاييس سيكولوجية ومقابلات شخصية يتم خلالها الوقوف على تطورات الأحداث والمواقف الأخيره لديهم، ثم بعد ذلك يتم تحليل البيانات وشرح نتائج التشخيص.
وفيما يلي بعض خصائص الموهوبين الكبار والتي يمكن أن تظهر من خلال إجراءات التشخيص:
– الكمالية ووضع معايير عالية للذات والآخرين.
– عادات أخلاقية قوية.
– حساسية عالية، إدراك وبصيرة ثاقبة.
– ينبهر بالأفكار غير الشائعة، ومتعطش للقراءة.
– يِشعر بالانسجام مع الآخرين.
– مغرم بحب الاستطلاع .
– لديه حساسية غير عادية للفكاهة.
– متمكن جيد لحل المشكلات.
– لديه خيال خصب واسع.
– نظام واتساق في توجيه الأسئلة هادفة.
– لديه أفكار غير عادية أو يربط الأفكار التي تبدو غير المتآلفة.
– يبرز ويجد نفسه في مواقف التحدي.
– يتعلم أشياء جديدة بمهارة.
– لديه ذاكرة جيدة طويلة الأجل.
– شعور فائق أن لديه الكثير من الميول والقدرات.
– مرهف الحس ورؤوف للغاية.
– شعور بالغضب المتناهي إزاء الانتهاكات الأخلاقية وصمت العالم.
– لديه مشاعر عاطفية دافقة.
– لديه قدر كبير من الطاقة والحيوية.
– لا يمكن أن يتوقف عن التفكير.
– يشعر بأن الابداع يحركه.
– يولد الأفكار ويقلبها ولديه حماس في مناقشتها.
– يحتاج إلى فترات من التأمل.
– لديه إحساس بالإغتراب وشعور بالوحدة.