أكد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة ـ المشرف العام على مؤسسة “الإسلام اليوم” أن رعاية هذه المواهب ، هي مسؤولية الجميع ، مشيراً إلى أن وجود مؤسسة أو جهة لا يعني إخلاء الآخرين من المسؤولية والتبعة إنما ينبغي أن تكون البيئة كلها مساعدة على نمو هذه المواهب و رعايتها.
وقال الشيخ سلمان ـ في حلقة أمس الأحد من برنامج “حجر الزاوية”، والذي يبث على فضائية mbc ، والتي جاءت تحت عنوان “الموهبة ” ـ يجب أن تتكاتف كل مؤسسات المجتمع من أجل خلق بيئة مناسبة لنمو المواهب ، لافتاً إلى أن الأسرة والمدرسة ، والإعلام ، ومؤسسات المال عليهم المسؤولية الأكبر في هذا الإطار.
الأسرة..المسؤول الأول
وأوضح فضيلته أن الأسرة هي المسؤول الأول ، حيث يلزم للأبوين اعتباراً من الآن أن يختاروا لأبنائهم ألفاظاً وألقاباً جميلة مثل: يا مبدع ويا بطل ويا طبيب ويا مهندس ويا فقيه ، بدلاً من ألفاظ يا غبي ويا حقير ويا كذا ويا كذا مثلاً . كذلك يلزمهم مكتبة للأطفال في غرفهم وفيها ألوان من الكتب وكتب مصورة وكتب تتناسب مع مستواهم وقصص إلى آخره، كما يلزم للأبوين قصص ما قبل النوم ، فكثير من الموهوبين يتذكرونها ويقولون كان لها دور كبير جداً.
كما يلزم للأبوين أيضاً توفير ما يحتاجه أبنائهم قدر المستطاع لتنمية مواهبهم وتشجيعهم ، فضلاً توفير الجو العاطفي والإشباع الأبوي للأبناء ، والذي يسمح بظهور هذه المواهب ونشوئها.
والمدرسة أيضاً
وأضاف العودة: ثم يأتي دور المدرسة التي لها دور كبير في هذا الإطار ، مشيرا إلى أن أحدى البنات ذكرت أنها رسمت رسماً وذهبت به إلى المدرّسة فلما رأت المدرّسة الرسم قامت بتمزيقه ورمته في الزبالة وقالت : هذه عقوبة اللي يخلي غيره يرسم له . فلأن الرسم جميل كأن غيرها هو الذي رسم لها، وآخر يقول أنه عمل عملاً وقدّمه للمدير فبدلاً من الشكر أو تسويق هذا العمل المدير ألقاه وقال للطالب : لو تهتم بدروسك يكون خير ويكون أفضل!
تنمية المواهب
وذكر فضيلته أن الغريب في بعض الكتب والمراجع التي تشير إلى أن الطفل يولد عنده قابلية للموهبة والإبداع 90% وبنهاية السنة الأولى من المدرسة تكون قابليته للإبداع والموهبة 2% ، وهي معلومة محل شك، وإن كانت تكررت كثيراً لأن بعض الناس ينقلها من بعض ، لكن النظام الصارم في المدرسة أو في الأسرة أو في المجتمع قد يكون سبباً في تعويق الموهوب .
ولذلك ينبغي أن تساعد المدرسة على تنمية المواهب ،وتساعد الطلاب وتدربهم على تجاوز التعليقات السلبية التي يمكن أن توجّه إليهم ، والتعرف على هؤلاء الطلاب ، وإيجاد فصل خاص بالمدرسة للموهوبين وهذا الحمد لله بدأ يوجد الآن.
كما ينبغي التوسع في إنشاء مدارس خاصة لرعايتهم وتبنيهم، فالطالب الموهوب يمكن يتجاوز فصل وفصليين دراسيين بل يمكن أن يتجاوز مرحلة .
كذلك “الإثراء” من خلال تزويد الموهوبين بمعلومات خارج النطاق المدرسي من خلال -مثلاً- نشاط من خلال مخيمات ، أو من خلال جهود خاصة ، أو من خلال مدرّس خاص يقوم بحضانة هؤلاء الموهوبين ومساعدتهم .
الإعلام ..وتنمية المواهب
وفيما يتعلق بدور الصحافة والإعلام في تنمية المواهب ، قال الشيخ سلمان :
إن الإعلام في العالم النامي أو الدول النامية عليه مسؤولية مضاعفة أن يشارك في عملية التنمية، فربما يكون الإعلام في العالم الغربي يتقصّد المتعة ، لكن في العالم العربي والإسلامي في الدول النامية الإعلام مسؤول عن المشاركة في عملية التنمية ، ومن هنا يتعيّن ويتوجب على الإعلام بكل أطيافه سواء كان مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً أن يشارك في عملية رعاية الموهوبين .
وأضاف فضيلته أن هناك عدداً من الصحف تهتم بأخبار الموهوبين، منها على سبيل المثال: جريدة “الرياض” ، حيث تولي عناية خاصة بأخبار الموهوبين والموهوبات وتغطيتها ، وأحياناً إجراء مقابلات مع الموهوبين أيضاً هذا شيء طيب .
مهمة أكبر
وأكَّد الدكتور العودة أن الإعلام يمكن أن يقوم بمهمة أوسع بكثير من ذلك؛ لأن استضافة الموهوبين، واكتشافهم لا بدَّ أن يشارك فيها الإعلام، من خلال إيجاد برامج تليفزيونية للمنافسة، بدلًا من أن تكون برامج مثلًا للموهوبين في الغناء والكرة، وكأنه لا يوجد مواهب أخرى سوى هاتين الموهوبتين!
وتابع فضيلته : إن الإعلام من شأنه أن يبتكر برامج تليفزيونية إذاعية للتعرُّف على الموهوبين ورعايتهم، بل وتسويق بعض المواهب، وأن يكون الإعلام وسيطًا ما بين الموهوب وما بين الجهات التي ترعى، سواءٌ كانت جهاتٍ حكومية أو جهات مال وأعمال.
المال.. ودعم المواهب
وفيما يتعلَّق بدور مؤسسات المال والعمل في دعم الطاقات والشباب والمواهب، قال الشيخ سلمان : لو عُلِّق الجرس قد يجد الناس أنفسهم مضطرِّين إلى المشاركة أحيانًا، عندما تُوجَّه دعوة للتبرع لمجموعة كبيرة من الناس لمشروع معين يتبرعون سواء كانوا بقناعة وإلا لإرضاء المسئول وإلا لأي اعتبار آخر.
وأضاف فضيلته : إن شركة آرامكو كان لها قدم سبقٍ في رعاية بعض الموهوبين وابتعاث بعضهم، وتقديم خدمات كثيرة للمجتمع.
فاعلية عقل
وأكد الدكتور العودة أن رعاية الموهوبين أمر في غاية الأهمية ، حيث كانت محل اهتمام منذ الأزل ، وأن الناس كانوا يهتمون بها من عهد اليونان إلى عهد الرومان الذين كانوا يحتفلون بالموهبة الجسدية بسبب حاجتهم إلى الحروب إلى عهد الصينيين الذين كان الملك يمنح الدراسة المجانية للطلاب الموهوبين إلى عهد التاريخ الإسلامي ، كذلك اليوم في العالم تجد مثلاً في أوروبا – في اليابان في بريطانيا ـ و الولايات المتحدة هناك برامج متخصصة أو دراسات متخصصة لرعاية الموهوبين .
وأضاف فضيلته : أننا نحن الذين تجاوزنا هذه المرحلة ولم نفلح بعد ما من حقنا أن نطرح على أنفسنا سؤال : هل أنا موهوب ؟ ، فيجوز أن يكون عندي موهبة لكن هذه الموهبة لم تُستثر ولم تُستفز ، ونحن نتحدث عن فاعلية العقل ، من شأننا أن نحاول البحث عن هذه المواهب وأن نحركها ونفعّلها لننتفع وينتفع الآخرون فمعنى الحياة إنما يكون من خلال استثار هذه المواهب.
تميز فطري
وفيما يتعلق بمفهوم الموهبة ، قال الشيخ سلمان إن الموهبة مثل الكنز تمامًا، فالكنز الذي في أساطيرنا تحرسه الجنُّ لأنه ثمين جدًّا، ونادر جدًّا، فضلًا عن كونه مدفونًا يحتاج إلى من يبحث عنه وإلى من يستثيره، ومن هنا فإن الموهبة هي في حقيقتها عبارة عن تميُّز فطري لدى الإنسان، وهذا التميُّز قد يكون تميزًا في عقله وتفكيره، أو في جانب معيَّن كالرياضيات، أو تميزًا في جانب حركي كالرياضة، أو جانب يدوي كالرسم، أو صوتي، أو إبداعي في أي جانب من جوانب الحياة، فهذا هو معنى الموهبة التي يولد بها الإنسان.
وضرب فضيلته مثالًا للتميُّز الفطري، قائلا: إن سفيان بن عيينة t كان في المجلس، فجاء طفل صغير وجلس، فاهتمَّ به سفيان بن عيينة وأدناه ونظر إليه، فكأن الناس استغربوا أن الطفل لا يستحقُّ كل هذا، فقال سفيان t : (كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّه عليكُمْ) “النساء: من الآية94” أي أنه صغير قوم كبير آخرين.
ثم قال للشخص الذي أمامه وهو الراوي أحمد بن النضر يرويه عن أبيه، قال له : كيف لو رأيتني وأنا ابن عشر سنين، ووجهي كالدينار، وجسمي يشتعل كنار، وطولي عشرة أشبار، وثيابي قصار، وأكمامي صغار، وحذائي كآذان الفار، وأنا أتقلَّب بين علماء الأمصار، كالزهري وابن دينار، فمحبرتي كاللوزة ومقلمتي كالجوزة، فإذا أتيت ضحكوا وقالوا : أفسحوا للشيخ الصغير، ثم أفسحوا له وضحك سفيان أيضًا، فهنا تلاحظ أو تلتقط خيط الموهبة وخيط التميُّز الذي يمكن أن يوجد عند أيِّ أحدٍ من الناس.
نبوغ وتفوق
وأضاف فضيلته أنه قد يُعبّر عن الموهبة بـ”النبوغ” كما نجد في تاريخ العرب ،النابغة الجعدي ، والنابغة الذبياني ، ونابغة بني فلان ، كما قد يُعبر عنها بـ”التفوق” فيقال فلان مثلاً متفوق ، أو بـ”التميز” ، فيقال فلان شخص متميز ، فهذه كلها ألفاظ مترادفة ، كما قد يعبرون عنها أحياناً بالطفل الخارق ، أو الطفل المعجزة ، مشيراً إلى أنه من الغريب أنك قد تقرأ عن طفل معجزة ثم يختفي في الزحام ولا تسمع عنه شيئاً، فهنا تتساءل لماذا هذه الثروات تهدر أو تضيع ؟!.
عبقري أم موهوب؟
وأوضح الدكتور العودة أن الطفل الخارق، موهوب إلى حد أنه يصل إلى العبقرية؛ لكنه لا يسمى عبقرياً ما دام صغيراً ، حيث تصل نسبة الذكاء عنده إلى 145% حسب مقاييس الذكاء ، ولكنه إذا كبر وأصبح راشداً تحوّل إلى عبقري ، فالعبقرية تشكل واحد من مائة ألف أحياناً وأقل من ذلك .
بينما اثنين أو ثلاثة إلى خمسة بالمائة من الناس يعتبرون في دائرة الموهبة ، لافتاً إلى أن النظريات القديمة كانت تتحدث فقط عن الجانب العقلي وهو البحت فيما يتعلق بتعريف الموهبة ، لكن النظريات والاتجاهات الحديثة تميل إلى التعريف الشمولي الذي يشمل كل المواهب والطاقات بما في ذلك المواهب الاجتماعية والشخصية، والكفاءة العقلية، القدرة الذاتية والبدنية كل هذه تدخل في الموهبة ، الفنية الأدبية واللغوية.
وذكر الشيخ سلمان أنه في بعض النظريات الأوربية تشير على أنه لا يمكن تعريف الموهبة بتعريف جامع ، وإنما تعرف تعريفاً نسبياً، فالموهوب اللغوي غير الموهوب الحركي ، كما أن الشخص ربما يكون موهوباً في جانب وضعيفاً وغير مفلح في جانب آخر ، وقد يكون شخصاً متعدد المواهب كما هو معروف.
الموهبة والإبداع
وفيما يتعلق بعلاقة الموهبة بالإبداع واللبس الذي يحدث ، قال الشيخ سلمان:
إن كثير من الناس يخلط بينهما ويعتبرهما مترادفين ، وخاصة من غير المتخصصين , مشيرا إلى أنه لا مشاحة في ذلك فالموهبة إبداع ، كما أن الإبداع موهبة، لافتاً إلى أن الخلط قديم ولكن هناك كثير من الدراسات المتخصصة التي تشير إلى أنه هناك فرقاً بين الموهبة وبين الإبداع ، وكأن الموهبة هي قدرة ذاتية عقلية أو جسمية على شيء معين ، بينما الإبداع هو قدرة على الابتكار.
وضرب فضيلته مثالاً لذلك ، قائلاً:
إن الرسم موهبة لكن أحياناً قد يُبدع الإنسان في الرسم ، مذكراً بقصة والت ديزني رجل المال الشهير الذي يمتلك مدن كاملة من الملاهي وغيرها ، فعندما كان صغيراً رسم زهوراً وبدأ يرسم لها وجوهاً ، فلما مرت المدرّسة من عنده ضحكت وقالت: ما هذا يا والت؟ زهور لها وجوه هذا غلط ، قال : لا ، أنا زهوري لها وجوه . فهذه القدرة المبكرة على الإبداع وعلى إضفاء الحياة على الأشياء الميتة وعلى اقتباس شيء لشيء هذا إبداع ، لكن أصل موهبة الرسم أنها موهبة.
ثمرة الموهبة
وأضاف فضيلته أنه بإمكاننا القول إن الموهبة هي عبارة عن شخص وكيان لكن الإبداع هي حالة، كما أن الإبداع أحياناً يكون هو ثمرة الموهبة، فهذه الموهبة المطمورة إذا تحوّلت إلى منتج يمكن أن نسمي ذلك إبداعاً.
وأشار الدكتور العودة إلى أن هناك كتاب اسمه “الموهبة والإبداع” للدكتور فتحي جروان، وهو كتاب قيم في تنمية المواهب .
حالات الموهبة
وعدد الشيخ العودة حالات للموهبة منها :
1 ـ الحكمة : بدون شك أنها موهبة ، وفي القرآن الكريم الله I قال : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ) مما يدل فعلاً على أن الحكمة هي موهبة يعطيها الله I من يشاء فيؤتيه الله تعالى الحكمة ويؤتيه فصل الخطاب ، فهي حكمة عقلية ولغوية أيضاً لأن الحكمة في نظري مزيج من أمرين : مزيج من رؤية عقلية راشدة أو تجربة ، وهي أيضاً تعبير عن هذه الرؤية بكلمة مختصرة صالحة لأن تكتب وأن تنقل وأن يتعاطاها الناس.
2 ـ التسامح : فالنبي r أرشد إليه عندما قال : (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ، كما تجد أن عثمان t كان يتميز بهذه الموهبة ، كذلك الحسن وتخليه عن أتباعه وجمهوره ليحقن دماء المسلمين ويتأول حديث النبي r : « ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ».
3 ـ الرغبة في نفع الآخرين . 4 ـ العفو عن الناس.
5 ـ الإلهام : وتجده في قصة عمر t يقول النبي r : « قَدْ كَانَ يَكُونُ فِى الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِى أُمَّتِى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ » .
6 ـ الحياء 7 ـ العلم 8 ـ الشجاعة
كما أن هناك مواهب أخرى رياضية ، جسدية ، علمية ، عقلية ، لسانية أو قولية .
كتاب صحيح مانديلا
وتعليقا على أن بعض المنظِّرِين يَعُدُّون بعض الصفات الأخلاقية ليست مواهب بقدر ما هي صفات أخلاقيةٌ تدرب الإنسان عليها، بينما الموهبة هي بذرة تكون في ذات المرء أُعطِيها وينمِّيها. قال الشيخ سلمان:
الأقرب أن هناك تدربًا، لكن هناك استعداد لها، فعندما كنا في السجن كنَّا نقرأ كتاب نيلسون مانديلا “الطريق إلى الحرية” ووجدنا فيه هذه الروح العالية، فهذا الرجل قد تعرَّض لنوعٍ من القسوة، والذي كان يمكن أن يُفرزَ عنده ردَّة فعلٍ عدوانية أو ميلًا للعنف، لكنَّك تجد أن قدرتَه أو موهبتَه الذاتية والأخلاقية في استيعاب هذا الموقف حوَّلته إلى “مصلح” استطاع أن يدفع عن بلدِه جنوب إفريقيا مشكلة احتمال وجود حرب أهلية ما بين البيض والسود.
وأضاف فضيلته : لقد كان كثيرٌ من السجناء يَرجِعون إلى هذا الكتاب ويقرءون ويسألون، حتى إني كنت أداعب بعضهم في بعض المسائل وأقول : ماذا وجدت في صحيح مانديلا ؟ لأنهم كانوا يرجعون إليه: ومانديلا فعل كذا، وقال كذا، كذلك غاندي، حيث تجد أنه في كلِّ الملل والأمم والأديان مثل هذه المعاني.
خصائص الموهوبين
وفيما يتعلق بخصائص الموهوبين ، قال الشيخ سلمان :
1 ـ الاستعداد الفطري:
وذكر فضيلته قصة لمعن بن زائدة أنه كان عنده ولد لأخيه ربّاه مع أولاده ، فكانت زوجته تعاتبه أحياناً على عنايته الزائدة به ، فأراد أن يُبيّن لها ، وفي ليلة من الليالي عندما كان نصف الليل أرسل رسولاً إلى أولاده وإلى هذا الولد الذي عنده أن يأتوا ، فجاء أولاده وقد لبسوا ثيابهم والطيب وأشياء كثيرة جداً بينما جاء هذا الولد وقد لبس اللأمة والسلاح ووضع رمحه عند صدر المجلس ثم دخل وهو شاب صغير ، فقال معن بن زائدة لزوجته : أرأيت ؟ قال له : لماذا جئت بهذا الشكل؟ قال : رأيت أنك ما دعوتني في نصف الليل بوقت لم يكن من العادة أن تدعوني إليه إلا وكأن عدواً حضر أو خطراً فأحببت أن آتي وأنا مستعد ومتجهّز .
2ـ خصائص متعلقة بالموهبة نفسها: منها : القدرة ، الذكاء ، التميز ، التفوق العقلي أو الذهني أو الرياضي ، لكن في الغالب أن الموهوب أيضًا يكون عنده تميزًا جسديًا كما قال الله I : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) فهنا الموهوب عنده بسطة في العلم هذه موهبة لا شك هذه موهبة تستطيع أن تعبر عنها أنها موهبة لغوية ، لكن أيضًا (وَالْجِسْمِ) الموهوب في الغالب هذا ليس مُطَّرِدًا أنه أكثر نموًا وحيوية جسدية ممن هم في مثل سِنِّهِ ؛ ولهذا يقولون عادة : ” العقل السليم في الجسم السليم “، وإن كان هذا ليس مُطَّرِدًا؛ لأنك قد تجد أناسًا ربما يحملون إعاقة في أبدانهم ومع ذلك هم موهوبون ..
3 ـ المميزات النفسية: فالموهوب في الغالب أكثر استقرارًا نفسيًّا ، وأكثر ثقةً بذاته ، كم أنه أكثر قدرة على التكيّف .
4 ـ القدرة على القيادة وتحقيق التوافق: فالموهوب عنده قدرة على القيادة في جانب المجتمع ، وعلى تفهّم المجتمع، و التوافق الاجتماعي ، فهناك إذًا مجموعة من الميزات للموهوبين .
وأشار الدكتور العودة إلى أنه يوجد كتاب اسمه ” الأطفال الخوارق والموهوبون في العالم العربي ” للأستاذ عمر هارون الخلفية ، يتحدث عن الموهوبين في العالم العربي.
طفولة الأنبياء ؟!!
وتعقيبًا على مداخلة ، تقول : إن البعض يرى أن في القصص القرآني والحديث عن الأنبياء في طفولتهم أنها موهبة ” ، ولكن يرى البعض أنه لا يجوز ، و هل في السياق القرآني قصص معين ؟ قال الشيخ سلمان: هناك كتاب اسمه “طفولة العلماء ” تكلّم عن عيسى r ، بطريقة غير مناسبة، مشيرًا إلى الأنبياء ينبغي أن يكونوا فوق التصنيف ، فالله تعالى أعطاهم النبوة وآتاهم كما قال : (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(مريم: من الآية12) .
وأضاف فضيلته أن النبوة موهبة من الله I ، لكن الموهبة التي نتحدث نحن عنها هي قدرة ذاتِيَّةٌ عند الإنسان يولد الإنسان بها، وكأن عنده قابلية أو استعدادًا نفسيًّا لها ، فمن هنا أقول : من الخطأ أن نُدخل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في هذا الباب ، فالأنبياء فوق التصنيف ، هم اصطفاهم الله تعالى برسالاته، وميزهم وفضّلهم على العالمين ، فهذا جانب مهم جدًا .
الموهبة في القرآن
أضاف فضيلته: يوجد في القرآن الكريم إشارة إلى معنى الموهبة من حيث الأصل، فيقول الله -سبحانه وتعالى- (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنعام:165) ، فهذه الآية تشير إلى تنوع وتفاوت مواهب الناس، وكذلك قوله تعالى :(وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا)(الزخرف: من الآية32) .
وأوضح الدكتور العودة أن قوله -سبحانه وتعالى- : – (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) يشير إلى الاستخلاف ، ثم قال -سبحانه وتعالى- : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) ، وهنا لم يحدد هذا الرفع، أهو في العقل ، أم التفكير ، أو الجسد ، أو المال ، أو في السلطة ، فهناك أشياء كثيرة الناس يتفاوتون فيها تفاوتًا عظيمًا .
ثم قال تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) ، فهي دعوة إلى استثمار المواهب وتوظيفها في طاعة الله، والخير والإحسان لعباد الله ، ثم قال : (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) إشارةً إلى الجزاء الأخروي ، وبناء على هذه الآية فإن الله تعالى يُحاسب الناس يوم القيامة بِقَدْرِ ما أعطاهم في هذه الدنيا، فحساب الغني غير حساب الفقير ، وكذلك نستطيع أن نقول: حساب الذكي غير حساب الغبي ، وحساب الرئيس غير حساب المرءوس ، وحساب المتفوق في جانبٍ غير حساب الأخرق أو الضعيف فيه .
نماذج من مواهب المسلمين
وتعقيبًا على مداخلة تقول : إن التاريخ الإسلامي و العربي به نماذج وأعلام ، ولكن المشكلة أننا لا نحاكمهم لمواهبهم، وإنما نحاكمهم أحيانًا في اتجاهات معينة ، فتتقزّم هذه النماذج، بينما كنا بإمكاننا أن نرفعها بالأعلى، قال الشيخ سلمان:
إن هناك الكثير من هذه النماذج ، منها :
1 ـ الصحابة رضوان الله عليهم :
فإن أول وأحسن ما نعرض من النماذج قصصُ الصحابة -رضي الله عنهم- الذين هم الجيل الأول، والأسوة والقدوة؛ حيث نجد عندهم الكثير من المواهب ، منها :
1 ـ مواهب أخلاقية : « إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ » .
2 ـ مواهب لغوية : سنتحدث عن زيد بن ثابت الذي أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتعلّم لغة اليهود؛ فإنه لا يأمنهم على الكتاب، فتعلمها في أيام قلائل .
كذلك حسان بن ثابت -رضي الله عنه- كانت عنده الموهبة الشعرية حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : « اهْجُهُمْ أَوْ هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ » ، وقال : « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَكَلاَمُهُ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ وَقْعِ النَّبْلِ » . فقد كان حسان رضي الله عنه- شاعرًا من صغره؛ حيث العادة أن الموهبة الشعرية واللغوية تكون مبكرة جدًّا حتى في الطفولة .
وذكر فضيلته طرفة بمناسبة ذلك ، قائلا: إن الفرزدق كان يقرأ قصيدة، وربما داخَلَهُ شيء من العجب والغرور بشعره، فرأى صبيًا عنده صغيرًا ينظر إليه وكأنه قد استوعب وأُعجب به ، فقال له الفرزدق: هل تود أن أكون أباك ؟ لأن الفرزدق هنا رأى أنه شخص يمكن للكل أن يفتخروا بالانتماء إليه ، وهذا الرجل يقال له الكميت، وهو فعلًا رجل موهوب موهبة مبكرة ، قال : لا والله.. أبي لا أرغب عنه بديلًا ، لكن وددت أنك أمي ! فأُحْبِطَ الفرزدق .
2 ـ علماء في ذاكرة التاريخ
وذكر الدكتور العودة أن هناك عددًا كبيرًا جدًّا من علماء العالم الإسلامي الذين تفوقوا في التاريخ ، مثل ابن خلدون مثلًا أبو الاجتماع ، وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية ، والخوارزمي وعلم الجبر ، وجابر بن حيان ، وعباس بن فرناس ، أبو القاسم الزهراوي أكبر جرّاح في التاريخ الإسلامي ، كذلك تجد أئمة وعلماء في الطب ، والفيزياء، و الكيمياء ، الأحياء ، وفي ألوان العلوم المختلفة .
آلية اكتشاف المواهب
وفيما يتعلق بوجود مشاكل تنظيمية في آلية اكتشاف المواهب، قال الشيخ سلمان: يقولون عن اليابان إنها بلد المائة وعشرين مليون موهوب ، وهذه الفكرة معناها أنه يفترض أن نعتقد أن الناس كلهم موهوبون حتى نستطيع أن نصل إلى الموهوب الحقيقي ، فمسألة اكتشاف الموهبة هي المنطلق، وهي حجر الزاوية للوصول إلى توظيف هذه الموهبة واستخدامها ،والاستفادة منها بالشكل الصحيح .
وأضاف فضيلته: إن عملية اكتشاف الموهبة تخضع عند المعاصرين وفي أحدث النظريات لدارسة مباشرة ، مما يعني أن الفريق المكلّف بالبحث- وهكذا يُفترض أن يوجد لدينا – يبحث ويتجول ويختار، ويحاول أن يصل إلى الموهوبين، مُشِيرًا إلى أن هذه الفرق المتخصصة من خلال دراستها للحالة وجميع جوانبها وتاريخها تستطيع أن تصل إلى أن هذا الفتى موهوب، أو هذه الفتاة موهوبة ، فهذا هو العامل الأساسي في عملية الاكتشاف .
أدوات مساعدة ؟!!
وأوضح الدكتور العودة أن هناك مجموعةَ أدوات مساعدة في اكتشاف المواهب منها ما يتعلق بـ:
1 ـ اختبارات الذكاء المتنوعة: وهي اختبارات طويلة عريضة يعرفها المختصّون، تحاول أن تختبر ذكاء الإنسان وموهبته ، فما كان فوق 145 فهو عبقري ، و130 إلى 145 هذا ذكي جدًّا ، 115 إلى 130 هذا ذكي أو فوق المتوسط ، 85 إلى 115 متوسط ، وما كان دون 70 فهو يعتبر ضعيف الذكاء ، على اختلاف هذه المعايير ، لكن هناك معايير أو مقاييس للذكاء يمكن التعرف على الموهوبين من خلالها .
2 ـ حكم الأبوين: فإن الأبوين أكثر علاقةً بالابن، وأقْدَرُ على تقييمه، كما نلاحظ أن الأب أو الأسرة غالباً هي المسئولة عن اكتشاف الموهبة وملاحظتها بسبب طول المعاشرة .
3 ـ حكم المدرس : فحكم المدرّس له تأثير كبير في معرفة الموهوب من خلال التعاطي معه في العلوم المختلفة والتخصصات المختلفة .
4 ـ الأقران : يرشّحون هذا الإنسان على أنه موهوب .
5 ـ التقرير الذاتي: حيث أحياناً الموهوب يُقدّم تقريراً ذاتياً تطوعياً، ولو كان عبارة عن كلام يقوله، أو كلام يكتبه، أو أسئلة توجّه إليه فيُجيب عليها .
وأردف فضيلته : أن كل هذه العوامل من شأنها أن تساعد على اكتشاف الموهوبين ، والذي من الضروري أن يكون مربوطاً بمؤسسة أو مشروع أو مجلس للبحث عن الموهوبين ، إذا كنا نعتقد أنهم ثروة وطنية , وأن عملية النهوض تمر باتجاه هؤلاء ودعمهم وتوظيفهم والاستفادة منهم، فهنا علينا أن نبحثَ عن هذه الثروة، مثلما نبحث عن النفط في أعماق الأرض، وفي الشرق والغرب وفي كل مكان كذلك ينبغي أن نبحث عن هذه الثروة العقلية المهدرة.
المهارة..والموهبة
وتعقيبًا على مداخلة ، تقول : إن “الموهبة” موجودةٌ في عمق الإنسان، تحتاج منه إلى بَحْثٍ ليكتشفها ويطورها ، بينما “المهارة” سلوك مكتسب أستطيع تَعَلُّمَه وإجادته كباقي البشر المتميزين، قال الشيخ سلمان : إن الفرق بين المهارة والموهبة ، أن المهارة تكون لإنسان عنده استعداد أو قابلية -مثلاً-عندما أجد أنني غير قادر على أعمال ميكانيكية معناه أن هذه المهارة مهما حاول الإنسان لن يفلح فيها، إنما هناك قابلية واستعداد، وبالتدريب يحصل عليها، أما الموهبة فهو شيء ممنوحٌ من الله -سبحانه وتعالى-، ومهمتنا هي في استثماره وتطويره .
عوائق الموهبة
وفيما يتعلق بعوائق الموهبة ، قال الشيخ سلمان : إن من عوائق الموهبة :
1 ـ التحفيز والتدمير : الذي يكون من الأهل أو من المدرسة أو من المجتمع أو من الزملاء أو من غيرهم .
2 ـ الخوف : والذي هو عدو المواهب .
3 ـ الضغط: والضغوط كما يسمونها الآن طاعون القرن العشرين ، فالإحساس بالضغط أو الخوف هو مَدْفَنٌ للمواهب .
4 ـ القسوة : الطفولة القاسية أو مواجهة قسوة الطفولة .
وقد أجرت صحيفة الواشنطن بوست استطلاعًا على أكثر من أربعمائة وثلاثين موهوباً ، واكتشفوا من خلال ذلك أن هؤلاء هم الأكثر تعرّضًا للقسوة في المدرسة في الابتدائية والمرحلة التي تليها ، والقسوة غالباً تكون من الزملاء ، ويكون سببها الغيرة ، أو أن هذا الموهوب مهاجر، وليس من أهل البلد الأصلي، فيدخل فيها جانب عنصري ، فتبيّن من خلال الدراسة أن الموهوب إذا تعرض للقسوة يكون عنده جنوحٌ للعنف أكثر من الناس العاديين.
ولعل هذه الدراسة في واشنطن بوست أظنها متصلة بالقصة التي سمعناها أيضاً قبل سنوات في إحدى المدارس الثانوية في كلورادو عندما قام طالبان بإطلاق النار على زملائهم، وقتلوا ثلاثة عشر، وأصابوا حوالي أربعة أو خمسة وعشرين شخصاً، ثم قاموا بالانتحار وقتلوا أنفسهم ، فبعد دراسة هذه الحالة من جميع جوانبها تبين أن هذين الشابين كانا يعانيان من قدر من القسوة من زملائهم ، فالموهوب أحياناً قد يُعَبِّرُ عن ذلك بالانتقام ورَدِّ الفعل بالعنف .
“دافور”!
كما قد يعبر عن ذلك بالانطواء، وأن يقوم بإيذاء ذاته، كما ذكر في مرحلة قريبة من تلك المرحلة أنهم وجدوا طفلاً عندما كان في الثانية عشرة من عمره، كان مستوى ذكائه مائة وخمسة وأربعين ، ولكن وجدوه شنق نفسه في غرقته ، وبالدراسة تبيّن أن هذا الطفل كان يتعرض للاضطهاد من زملائه .
وأردف فضيلته : بدأت أتذكر أيامنا في المرحلة الابتدائية، وكيف كان بعضنا يؤذي بعضاً من الطلاب، أو يجرون الكرسي حتى يسقط الطالب للخلف ، وقد يتآمر أو يتحالف عدد من الطلاب على طالب إذا كان متفوقاً أو موهوباً ويسمونه “دافور” أحياناً، ويكون هناك نوع من التعليقات السلبية على هذا الطالب؛ ولذلك للمدرسة هنا دور هام، أنها لا تقف مكتوفة الأيدي، ولا يكون دور المدرّس أو المدير أو حتى المرشد هو مجرد شحن أذهان الطلاب بالمعلومات، وإنما يكون هناك دراية بالواقع الاجتماعي الذي يحيط بالطلبة، والعلاقات، وطبيعة المتاعب التي يواجهها هؤلاء .
النجاح في الحياة
وتعقيبًا على مداخلة تقول : إن الموهبة لا تعني بالضرورة النجاح في الحياة ، قال الشيخ سلمان : إن الموهبة لا تعني النجاح ، فمن الممكن أن يكون الموهوب قادراً أو قابلاً للنجاح ، لكن قد يجد أن هناك من هو أقل موهبة منه من تفوّق عليه هنا، والشاعر العربي يقول :
تقدّمَتْنِي أُنَاسٌ كان صوتهم *** وراء خطوي إذا أمشي على مَهَلِ
ثم يحتج بتراجع الشمس عن زحل ؛ ولذلك علينا عندما نتحدث عن الموهبة أن نبحث: هل طريقة العلماء فيما يسمى باختبارات الذكاء طريقة سليمة ؟ مُوَضِّحًا أن عشرات الكتب التي تختبر الذكاء ربما تقيس ذكاءً واحدًا فقط، لكنها لا تقيس مجمل القدرات الشخصية عند هذا الإنسان؛ ولذلك أعتقد أن النجاح في الحياة هو نتيجة :
1 ـ وجود المواهب .
2ـ توظيف هذه المواهب ، فقد تكون هناك موهبة ضخمة، لكنها لم تستفد، فلا تنفع الإنسان ، في حين أن موهبة أقل ولكن تمّ توظيفها جيدًا فتنفع .
3 ـ القدرة على التكيف الاجتماعي ، وأن يتكيف الإنسان مع نفسه ومع مجتمعه ، وتحقيق القدرة على التوازن .
الذكاء الناجح ؟!!
وتعقيبًا على مداخلة ، تقول: إن الموهوب في الغرب يهتم بنفسه فقط، لكن الموهوب في المجتمعات العربية يجب أن يهتم بنفسه، وأن يهتم بتحقيق التوازن مع مجتمعه، حتى لا تكون هناك ردة فعل من المجتمع على موهبته، فتقتل هذه الموهبة، وربما تقتله كإنسان ، قال الشيخ سلمان : هذا صحيح ؛ ولذلك هناك شيء يسمى “الذكاء الناجح” ، وهو ما يعني أن هذا الذكي عنده قابلية أو قدرة على النجاح، وتخطيط للنجاح، وسَعْيٌ إليه .
وأضاف فضيلته : إن هذا يؤكد أن مجرد الموهبة لا تكفي حتى ينضم إليها القدرة على معرفة النفس، والتواكب مع معرفة المجتمع ، والتكيف معه ، وتحقيق التوازن ، وهذا معنًى عام ، الغرب والشرق يحتاجون إلى ذلك، لكن ربما في بلادنا في العالم الإسلامي بسبب سطوة المجتمع ، والأسرة ، والمدرسة ، والنظام أحياناً- لا أسميه البوليسي لكن العسكري داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية- يتطلّب قدرًا كبيرًا جدًّا من التوازن .
ماذا يريد الموهوب ؟
وتعقيبًا على مداخلة ، تقول: ماذا يريد الموهوب ؟ وأن الموهوب يريد من يؤمن بأحلامه ويحفزه ، قال الشيخ سلمان : إنه من الجميل أن يرتقي المجتمع بنفسه إلى حد الإيمان بأحلام الموهوب ، فالمجتمع ينظر إلى الموهوب أحياناً على أنه غرير، في مقتبل الحياة لم يعايشها ؛ ولذلك ينظر إليه برحمة وإشفاق .
وأضاف فضيلته: إن الإيمان بأحلام الموهوبين هو معنى مهم لتحفيز طاقاتهم ، كذلك يجب أن نشجعهم على أن يكون لهم معاييرهم الذاتية في قدر الطموح الذي يحصلون عليه ، وأن نشجعهم على النمو المعرفي والعاطفي والحياتي أيضًا .
تربية الموهوبين
وفيما يتعلق بالمربي الذي يتعامل مع هؤلاء الموهوبين ، قال الشيخ سلمان : إنه من المهم أن يكون متخصصاً في تربية الموهوبين؛ لأنه يضع يده على كنز ضخم ، وإذا كان غير متخصص فكذلك ينبغي أن يكتشف الموهوبين ويشجعهم على التميز، وأن يكون لهم طريق سريع.. فالآن هناك طرق بطيئة وفيها ازدحام ، في حين أن هناك طرقًا سريعة وليس عليها كاميرات ولا مراقبة ولا شيء.
الموهبة وتحدي الإعاقة
وفيما يتعلق بالموهبة وتحدي الإعاقة ، قال الشيخ سلمان : إن الإعاقة هي حِكْمَةٌ من الله -سبحانه وتعالى- تصيب من شاء الله تعالى من عباده، لا يستثنى منها أحد حتى الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام – فقد أصاب أيوبَ عليه السلام المرضُ ، كذلك أنبياء الله ورسله – عليهم الصلاة والسلام – ، وكذلك الصحابة نجد عبد الله بن أم مكتوم (أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى) (عبس:2) ، ابن عباس -رضي الله عنه- أصيب بالعمى بعد فترة ، مشاهير من أهل العلم ممن عندهم إعاقة أو عندهم نقص معين أو من يُسَمَّوْن “ذوو الاحتياجات الخاصة” ، عبر التاريخ تجد أكابر المبدعين والعلماء: روزفلت أو أنشتاين أو هيلن كلر أو برايل الذي اكتشف الخط المعروف، وناس كثيرون، بل على العكس، فإن الموهبة تزداد مع الإعاقة ، فالمعوّق ربما يشعر بالتحدي، فإذا كان عنده إيمان بالله ربما يحفزه هذا على أن يستثمر طاقته بشكل أفضل، يعني تحفيز على الموهبة .
المجتمع يظلم المواهب
وتعقيبًا على مداخلةٍ تقول: إن المجتمع يظلم المواهب ، قال الشيخ سلمان : أحيانا لا تكون هناك مراعاة للشفافية المطلقة في جانب العدالة ..فنجد العلاقات ، والواسطة ، والمسئولية ، فمحاباة أطراف دون آخرين يمكن أن يُبعَدَ إنسانًا ويقدم غيره ، وهذا لاشك أنه لا يجوز ، فكون الإنسان يساعد شخصاً من غير أن يضر الآخرين فهذا حسن، أما أن تأخذ حقوق الآخرين وتعطيها لقريبك أو لابن عمك أو جارك أو زميلك أو زوج بنتك، فهذا لا يجوز .
ثقافة الموهبة
وتعقيبًا على مداخلة ، تقول : إن ثقافة الموهبة قدمت على أنها شيء خارق ، قال الشيخ سلمان : هذا ممتاز، بمعنى أنه ينبغي أن نقول مثلما قلنا: إن اليابان بلد مائة وعشرين مليون موهوب..فكل واحد من الممكن أن يكون موهوبًا ، وقلّ إنسان إلا عنده موهبة، لكن قد تكون هذه مطمورة ، كما يجب على الإنسان أن يَصْقُلَ موهبته بتعلم الصنعة ، كذلك فإن المؤسسات التربوية يمكن أن تقوم بدور في رعاية الموهوبين ، خاصة وأن كثيرًا من النوابغ يعانون من الفقر والعِوَز .
وأضاف فضيلته : أتذكر ابن حزم والباجي ، حيث صار بينهما مناظرة، فقال الباجي لابن حزم : أنت تعلمتَ في قصر الوزير، فلا غرو أن تكون وصلت إلى ما وصلت إليه ! أما أنا فقد تعلمتُ وقرأتُ على أضواء المصابيح في الشارع ! فقال له ابن حزم : هذه عليك وليست لك؛ لأن كوني أنا وأنا في قصر الوزير أذهب وأبحث عن العلم معناه أنني أريد العلم لذاته بينما أنت لأنك فقير ربما كنت تبحث عن العلم حتى تقوى به أو تتعزز به !
فأعتقد أن المسألة هنا نسبية -مسألة البيئة-، لكن كلام الأخ سليمان أوحى لي بأهمية وجود الشجاعة في موضوع الموهبة ؛ لأنه كثيرًا من المواهب في بعض الأحيان قد تفرز عند الإنسان قُدْرَةً أو شيئاً ربما لا يتقبله المجتمع، فيتطلب أن يكون عنده شجاعة في مواجهة الناس .